الشهيد حسن البنا: {صورة من الخارج}

السابقون السابقون ! 

يقول الدكتور الطاهر أحمد مكي في مقالة له ، تحت عنوان ( صورة إنسانية بعيدة عن السياسة ) نشرها في مجلة الدوحة القطرية / عدد يوليو -١٩٨٥، وهو يصفه قادماً إلى إحدى قرى مصر : بدأت أتأمله مِن على بعد أولا ً، ومن قريب فيما بعد ، هذا الضيف الوافد يرتدي ملابس بيضاء فضفاضة ، بسيطة ونظيفة ، ويلف فوق طربوشه شاشاً ! معتدل القامة والبنية ، أبيض مُشرب بحمرة ، مرسل اللحية ، نافذ البصر ! 

يتحرك وسط الريفيين البسطاء كأنه هالة من نور ، وهم حوله فرحون به ، يعرف كيف يمتلك قلوب المئات الذين توافدوا من النجوع التي حول القرية ، بعضهم طلاب في الأزهر ، والغالبية فلاحون ؛ جاؤوا مدعوين ، أو ليسلموا عليه ،آو مستطلعين !! 

ويضيف : كان البنا نموذجاً في دقته ! على ذكاء شديد وقدرة فائقة في تحويل المواقف لصالحه ، يتمتع بذاكرة  قوية ؛ فهو يذكر أسماء الذين التقى بهم لدقائق قليلة ، أو ذُكرتْ أسماؤهم أمامه مرة واحدة ! وله قدرة عجيبة على أن يتكلم العربية الصحيحة والبسيطة والواضحة دوماً !    

عفيف اللسان ، فلايخوض في سيرة أحد ، ولا يذكر شخصاً بسوء ؛ معارضاً أو عدواً ، وإنما ينقد مايراه من زيف أو باطل ، أو خروج على قواعد الدين ، نقداً موضوعياً ، يُشخّص الداء ، ويصف العلاج !

وهو يملك ناصية اللغة : معجماً وقواعد ، ويحفظ القرآن كله ، ويُلم بالحديث في مجمله ، ويدرك أسرارهما إدراكاً واعياً ، ويستخدم ذلك كله في مهارة ، إلى ثقافة معاصرة بلا حدود ، يحار المرء معها : كيف وأين ومتى حصّلها !! 

*** يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه :( دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين ) لعل البنا كان أقدر الناس على رفع المستوى الفكري للجماهير مع محاورة لبقة خالية من أسباب الخلاف ومظاهر التعصب ، وقد أحاط بالتاريخ الإسلامي ، وتتبع عوامل المد والجزر في مراحله المختلفة ،وتعمق تعمقاً شديداً في حاضر العالم الإسلامي ، ومؤامرات الاحتلال الأجنبي ضده ! 

ثم في صمت غريب أخذ الرجل الصالح يتنقل في مدن مصر وقراها ، وأظنه دخل ثلاثة آلاف قرية من القرى الآربعة آلاف التي تُكوّن القطر كله !!

‏‫

وسوم: العدد 707